فقدان الشهية العصبي:
يعد هيلد بروش Hilde Bruch من أوائل الذين كتبوا في مجال فقدان الشهية في العصر الحديث، وذلك في مقالته عام 1961 بعنوان " الاضطرابات الإدراكية والمفهومية في فقدان الشهية العصبي" وقد أكد الكثيرين أن هذه المقالة هي بداية مرحلة جديدة لفهم هذا المرض.
ويعرف فقدان الشهية العصبي بأنه : فقد خطير في الوزن مصحوب باختلال في صورة الجسم، حيث يبقي الفتاة خائفة من زيادة وزنها، ويبدي اختلالاً واضحاً في إدراكها لشكل وحجم الجسم، ورغم ذلك يعد مسمي هذا الإضطراب غير مطابق تماماً لأعراضه لأن فقد الشهية عادة ما يكون أمراً نادراً (محمد عبد الرحمن،2000) فهو رفض للطعام ومقاومته بكل الطرق وليس فقد الشهية كما يطلق عليه (أحمد عكاشة، 2003) .
إن فقدان الشهية العصبي يعد اضطراب انفعالي معقد يلقى بضحاياه في أحد نظم الغذاء لملاحقة النحافة الشديدة. إذ ينظر هؤلاء المرضى إلى النحافة على أنها الحل المثالي للمشكلات الحياتية.
إن اتخاذ القرار الخاص بإتباع نظام غذائي للنحافة يظهر بطرق مختلفة، وتعتمد هذه الطرق علي شخصية المرأة والظروف الخاصة التي ترى بها نفسها . إن بدء فقدان الشهية العصبي بين المراهقات، ينبع من إدراكها بأنها لا تحب شكل أو حجم جسمها. وذلك عندما تدرك الفتاة المراهقة تلك التغيرات التي تطرأ على جسمها أثناء مرحلة البلوغ أو عندما ينبهها الآخرين إلى أهمية محافظتها على وزنها ،فتبدأ في الإقلاع عن الطعام ،ويلازمها خوف مرضى من الإصابة بالسمنة المفرطة. فغالباً ما تكون إصابة الفتيات بفقدان الشهية العصبي مع بداية التغيرات البدنية المنبئة بقرب نزول الطمث فينحبس ،وانحباسه يوحى بالصلة بين العزوف عن الطعام و الجنس .
ويعد فقدان الشهية العصبي من الاضطرابات التي تتسم باهتمام شديد بشكل الجسم ومحاولات تجنب زيادة الوزن، إذ يرتبط بالعزوف عن الطعام أو الامتناع عنه بغرض الرشاقة وتحقيق معايير الجاذبية الجسمية وفقاً لثقافة المجتمع الذي يعيش فيه الفرد.
محكات تشخيص فقدان الشهية العصبي :
يحدد الدليل التشخيصي الإحصائي للأمراض النفسية والعقلية الأمريكي في الطبعة الرابعة DSM I V (1994) المحكات التالية لتشخيص فقد الشهية العصبي كأحد اضطرابات الأكل على النحو التالي:
(1) رفض الإبقاء على وزن الجسم عند المعدل الطبيعي الذي يتناسب مع الطول والعمر، أو الإبقاء على وزن الجسم أقل من 25 % من المتوقع، أو عدم القدرة على تحقيق الزيادة المتوقعة في الوزن خلال فترة النمو مما يؤدى إلى أن يصبح وزن الجسم أقل مما هو المتوقع.
(2) الخوف الشديد من زيادة الوزن أومن أن يصبح الفرد بديناً حتى إن كان وزنه أقل من معدله الطبيعي.
(3) انقطاع الطمث غير الطبيعي لدى الإناث وذلك بعد بداية الدورة الشهرية، وانقطاعها ثلاث شهور متتالية.
الآثار البدنية والنفسية لفقدان الشهية العصبي :
إن الفتاة التي تعانى من فقد الشهية العصبي عادة تقلل من الطعام اللازم أو رفضه كليّة أو استصعاب مضغه وبلعه، وكراهية إدخاله إلى القناة الهضمية ، و الإصابة بضعف شديد في مقاومة الجسم ، كما تصاب الفتاة بالنحافة نتيجة لفقدها لكمية كبيرة من الدهون مما يترتب عليه شعورها بالتغيرات المناخية - الحرارة أو البرودة - بصورة أكبر من غيرها. كما أنها تبدو شاحبة اللون، وقد يصبح جلدها جاف ويتقصف شعرها ويضعف، ويبدو الوهـن على وجهها وذراعها وظهرها،وينخفض ضغط دمها بسبب محاولة جسمها التوافق مع الطاقة المنخفضة التي يمتصها الجسم, هذا إلى جانب حدوث قروح على القدمين والركبتين والإليتين،والعانة وخلف الرأس والكوعين، وتبرز الأسنان وتصغر، ويضعف الصوت ويرفع.
ويعد توقف الطمث أحد المظاهر البدنية لفقدان الشهية العصبي، وهو يحدث قبل الانخفاض الحقيقي للوزن وذلك بسبب الهبوط المفاجئ لنسبة الدهون بالجسم، هذا إلى جانب قلة البوتاسيوم والذي يؤدى إلى التوتر وسـرعة الانفعال العصبي والفتور والخمول.
إن الفتاة التي تعانى من فقدان الشهية العصبي تتسم في مرحلة الطفولة بأنها أكثر إحساساً بمشاعر الآخرين وتحاول تخمين ما يريده الآخرين منها لتلبيته، ونجدها تتجنب المشاكل قدر الإمكان، كما يصفها الوالدين والمعلمين بأنها في طفولتها تتسم بالانبساطية والأدب في تعاملها مع الآخرين. و لا تتسبب في أي مضايقات للآخرين وأنها مرتفعة التحصيل، ولكنها في مرحلة المراهقة قد تتعرض لعدد من المواقف المثيرة للضغوط النفسية.
إن المراهقات ذوات فقدان الشهية العصبي شديدات العناد إلى حد أنهن يؤذين أنفسهن برفض الطعام، أو قد يكن منبوذات فيثأرن لأنفسهن بمرضهن و يعذبن أبويهم بمرضهن، ومع بداية فقدانهن لوزنهن يتحول الاهتمام إليهن - وهو ما يعرف بالمكسب الثانوي من المرض.
كما يعانى ذوى فقدان الشهية العصبي من اضطراب علاقتهم مع الآخرين، والأهل على وجه الخصوص، وهذا ما يجعل الغير يكنّ الكره لهؤلاء المرضى بسبب سلوكهم العام غير الودي، وإظهارهم لتصرفات غير مرغوبة أو محببة مثل الكذب، والتبرير .
دور الإخصائي النفسي في مواجهة فقدان الشهية العصبي:
وعادة ما تعتمد العلاجات الفردية لفقد الشهية العصبي علي كل من العلاج السيكودينامي والعلاج المعرفي للنساء المرضي. ويقوم هذا المدخل علي افتراض أن فقد الشهية العصبي هو خوف من اكتساب الوزن الطبيعي ويسببه صراع حول الوصول إلي دور المرأة الناضجة والذي يعني اكتساب الوزن الطبيعي وبدانة البنية، ونظرا لأن العلاج السيكودينامي غير فعال بمفرده في هذه الحالة فإنه من الضروري إقحام العلاج المعرفي ولو في بعض وسائله لأن اضطرابات الأكل ما هي إلا أساليب لا تكيفية لمواجهة الصراعات العاطفية ومن ثم فإن العلاج يهدف إلي حل الصراعات الضمنية ومساعدة المرضي علي تطوير أساليب أكثر بنائية للمواجهة مع اضطرابات النمو.
هذا ويجب أن تسير خطة العلاج علي النحو التالي:
(1)تقديم نموذج العلاج المعرفي السلوكي علي أن يتضمن ذلك ما يلي:
²التعرف علي منطق العلاج.
²التعرف علي تلك الضغوط التي يمكن أن تؤدي إلي الإضطراب.
(2) تقديم المعلومات وإجراء المناقشات حول ما يلي:
/1²مخاطر نقص الوزن والعزوف عن الأكل /2الضغوط الثقافية التي ترتبط بالأكل وحجم الجسم.
²/3 التقيد بنظام غذائي معين وعدم الخروج عنه. /4التغذية الجيدة والأنماط الجيدة لتناول الأكل.
²/5التخطيط للوصول إلي الوزن العادي. /6 التذبذب في الوزن وكيفية الوصول إلي الوزن العادي.
(3) زيادة كم ونوع التغذية المراد تناولها بغرض استعادة الوزن والوصول به إلي المستوي الصحي العادي.
(4) تحديد المعارف المختلة وظيفياً والتي ترتبط بالأكل والوزن وحجم الجسم.
(5) العمل علي تعديل تلك الأفكار المختلة وظيفياً من خلال إتباع استراتيجيات علاجية معينة.
(6) تناول جوانب أخري ذات صلة بالاضطراب كتقدير الذات، والإكتئاب، والمهنة، والأسرة، إلي جانب العديد من الأمور الاجتماعية المختلفة.
(7) التدريب علي إستراتيجيات المواجهة حتى تجنبنا حدوث انتكاسة بعد انتهاء البرنامج العلاجي.