تعد اللغة من أهم الخصائص التي اختص الله بها الإنسان ليفرده ويميزه عن غيره من سائر المخلوقات، وهي ظاهرة اجتماعية، ووسيلة هامة من وسائل الاتصال الإنساني. ويعتبر الكلام أحد المظاهر الخارجية للغة، والذي يصدر عن الفرد من خلال أقوال منطوقة أو مكتوبة. وهو أداة أساسية لبناء الشخصية، وأداة للاستقلال، وأداة لتوسيع دائرة التعامل مع الآخرين (غنيم وغريب،1965م).
ويعدّ التلعثم من أكثر اضطرابات النطق والكلام شيوعًا، وهو عبارة عن اضطرابات أو خلل في إيقاع الكلام، يتميز بالترددات والانسدادات والإعادة والتكرير والإطالة في الأصوات والكلمات، أو في المقاطع الصوتية بصورة لاإرادية. وعادة ما يكون ذلك مصحوبًا بمجاهدة المتلعثم لإطلاق سراح لسانه، وباضطراب نشاطه الحركي وتوتره العضلي. ويبدو ذلك من خلال ارتجاف الشفتين، وارتعاش الفك ورموش العينين وجفونهما، ورفع الأكتاف وتحريك الذراعين، إضافة إلى اضطراب عملية التنفس وعدم انتظامها (إيناس عبدالفتاح، 1988م).
وقد ورد في القرآن الكريم أن نبي الله موسى عليه السلام كان يعاني من صعوبة في الكلام: }ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون| (الشعراء:13)، }قال رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي| (طه:25-28).
وقد ذكر ابن سينا الطبيب العربي هذه المشكلة بشيء من التفصيل قبل ألف سنة، ووصف العلاج لها. وكان أول علاج فعلي للتلعثم في زمن الإغريق، حيث أجريت عملية كيّ اللسان، واستخدمت في فترات مختلفة أنواع من العمليات الجراحية المختلفة على اللسان. وقد بدأت العلاجات الحديثة لمشكلة التلعثم في بريطانيا من خلال جهود الخطباء في العهد الفكتوري من أمثال «جيمس ثيلويل»، وقد اعتمد العلاج حينذاك بالدرجة الأولى على العقاب البدني للمتلعثم. وفيما بعد بدأت تأثيرات النظريات من أمريكا في وصف وعلاج المشكلة (نيكسون، 2000م).
ولاشك أن تعطل وظيفة الكلام كليًا أو جزئيًا؛ يعني فقدان الفرد للوسيلة التي يعبر بها عن آرائه وأفكاره ومشاعره، فتضعف قدرته على التعامل والتفاهم مع الآخرين، وينكفئ على نفسه، يجتر آلامه النفسية الدفينة، ويعاني آثار الوحدة والعزلة. ومن المتوقع أن تنعكس هذه الحالة على قدرة الطالب على التحصيل الدراسي (الريماوي، 1994م).
وقد أشار «كراج» (Craig1990) إلى أن المتلعثمين لديهم مستوى عال من الخوف والقلق، ويكون الخوف والقلق في المواقف الكلامية الملحة، وينتهي بانتهاء الموقف.
ويرى الباحث أن التلعثم ينتشر في الأماكن التي يكون فيها الفرد غير قادر على مسايرة ما حوله بالصورة التي ترضيه سواء كان ذلك أسريًا أو اجتماعيًا. وكلما زاد القلق والتوتر وعدم الأمان النفسي وانعدام الثقة بالنفس وفق قدرة الفرد على مواجهة المواقف المختلفة التي يتعرض لها في حياته، كان هناك تلعثم بنسبة معينة قد تزيد وقد تنقص.
علاج التلعثم:
نظرًا لتباين واختلاف النظريات التي تحاول شرح أسباب التلعثم فقد تباينت الأساليب المتبعة في العلاج تبعًا لاختلاف الإطار النظري الذي تعتمد عليه كل طريقة. ومن تلك الأساليب:
العلاج النفسي:
ومن طرقه:
- العلاج عن طريق الإرشاد: وذلك بإعطاء المتلعثم مجموعة من الإرشادات تتلخص في أنه يجب عليه أن يتوقف عن التلعثم، وأنه لابد أن يتحكم في كلامه، وأن عليه أن يركز تفكيره في ذلك، إلى جانب إرشاد الوالدين إلى ضرورة إتاحة الوقت للمتلعثم ليعبر عن نفسه دون ضغط وتشجيعه على الكلام.
- العلاج بالإيحاء والإقناع: وذلك بأن توجه للمتلعثم عملية الإيحاء والإقناع لتلافي الشعور بالنقص والخوف من الكلام لما قد يتعرض له من خيبة أوخجل من خلال بيئته الاجتماعية وإقناعه بأنه بريء من أيه علة تشريحية أو وظيفية تعوقه عن الكلام.
- العلاج عن طريق الاسترخاء: تقوم هذه الطريقة على أساس أن التلعثم ينتج من زيادة الضغط على الجهاز العصبي للفرد، ويتم الاسترخاء بطريقة النوم إذ يعتبر إجراء وقائيًا وعلاجيًا لراحة الجهاز العصبي. وهناك طريقة العلاج بحمامات الماء الدافئ كإحدى طرق العلاج الطبيعي، حيث يتم علاج التوتر العصبي للعضلات عن طريق حمامات الماء الدافئ والمساج بغرض الوصول لاسترخاء العضلات.
العلاج عن طريق صدى الصوت: ويتم باستخدام صدى الصوت، عن طريق وضع سماعات على الأذن أثناء كلام المتلعثم، وفي الوقت نفسه يسمع صوتًا آخر (أي صوت). والغرض من هذا هو عدم سماع المتلعثم لنفسه أثناء الحديث، وبالتالي لن يشعر بأحاسيس الخوف والفشل المصاحبة للتلعثم.
العلاج الجراحي:
في فترة من الفترات انتشر العلاج الجراحي للتلعثم، ففي بعض الأحيان يتم كيّ اللسان،أو قطع العصب المغذي له، أو قطع إحدى العضلات الخارجية له، وذلك للتقليل من توتر عضلات اللسان المصاحب للعثرات. وفي بعض الأحيان يتم استئصال اللوزتين، وتعتبر هذه الطريقة العلاجية من الوسائل البدائية التي لا أساس لها من الصحة.
العلاج بالصدمات الكهربائية:
وقد استخدم منذ فترة بعيدة نسبيًا، وثبت فشله تمامًا،حيث إن التلعثم لا يكون مصحوبًا بأي إصابة عضوية في عضلات الكلام، والعكس هو الصحيح. فالمتلعثم يستخدم العضلات المسؤولة عن الكلام بشدة واضحة، (العسال، 1990م)، (مشهور، 2001م)، (السعيد، 2003م).
العلاج بالعقاقير الطبية:
هناك محاولات عديدة لعلاج التلعثم عن طريق العقاقير الطبية كالمهدئات والفيتامينات مثل فيتامين ب6، وذكر عكاشة (1975م) أن نسبة عالية من المتلعثمين يعانون من شذوذ في رسم المخ، وأنه لا مانع في بعض الأحيان من استخدام العقاقير المضادة للصرع، وذكرت نوران العسال (1990م) أن «أرون Aron» استخدمت عقار «ترايفلو بيرازين» كمهدئ لعلاج بعض المتلعثمين، وأنها وجدت أن 80% من المتلعثمين قد تحسنوا، ولكن لم يشف أحد منهم. ومن أهم العقاقير التي استخدمت في علاج التلعثم عقار «الهالوبيريدول»، بالإضافة إلى بعض الأدوية الحاوية على مهدئات القلق والانفعالات. وأشار حمودة (1991م) إلى أن استخدام العقاقير غير علمية وغير مجدية ولها محاذيرها مثل الإدمان.
العلاج الجماعي:
ويستخدم على نطاق واسع في علاج المتلعثمين الصغار والكبار. ذلك أن المتلعثم في العلاج الجماعي يرى غيره ممن يعانون نفس أعراض التلعثم (من صعوبة في الكلام وارتعاش الشفاه وغيرها) فيشعر بأنه ليس الشاذ الوحيد في هذا المرض، بل إن كثيرين غيره يعانون نفس الحالة، مما يخلق جوًّا من المشاركة الوجدانية بين المتلعثمين. كما أن أي تقدم في العلاج لأحدهم يدفع بالآخرين للتنافس وازدياد الفرص الواقعية للشفاء. وقد استخدم الباحث هذا الأسلوب في تقديم جلسات البرنامج الإرشادي المقدم في هذه الدراسة.
ومن وسائله: العلاج بالسيكودراما Psychodrama، حيث يستخدم التمثيل كوسيلة أدائية تجمع بين الإسقاط والتنفيس الانفعالي، وهي عبارة عن تصوير مسرحي وتعبير لفظي حر وتنفيس انفعالي تلقائي (حمودة،1992م).
العلاج البيئي:
ويقصد به دمج المتلعثم في نشاطات اجتماعية وجماعية تدريجيًا حتى يتدرب على الأخذ والعطاء، وتتاح له فرصة التفاعل الاجتماعي وتنمو شخصيته، وينتفي لديه الخجل والانطواء والانسحاب الاجتماعي، ويتضمن العلاج البيئي الإرشاد الأسري حول الأسلوب الأمثل للتعامل، وتجنب إجبار المتلعثم على الكلام تحت ضغوط انفعالية وفي مواقف غير مناسبة ومخيفة له، كالطلب منه التحدث أثناء وجود أشخاص غرباء.
العلاج الكلامي: ومن طرقه:
- الاسترخاء الكلامي: ويستخدم كوسيلة لخفض التوتر ومن ثم انطلاق الكلام. وينصب هنا الاهتمام حول خفض الشعور بالاضطراب والتوتر أثناء الكلام. وإيجاد ارتباط بين الشعور بالراحة والسهولة عن طريق قراءة الأحرف والكلمات والجمل ببطء وبكل هدوء واسترخاء.
- الكلام الإيقاعي: يمكن استخدام هذه الطريقة مع جهاز يسمى «المتروتوم» إذ يقوم المتلعثم بتقسيم الكلمة إلى مقاطعها، وبتطبيق كل مقطع مع دقة من دقات الجهاز، مما يؤدي إلى اختفاء العثرات أثناء الكلام.
- النطق بالمضغ: وضع هذه الطريقة «فروشيز»، وهي أن يتعلم المتلعثم التكلم بطلاقة عن طريق القيام بحركات المضغ مقترنة بالكلام، ثم يقلل تدريجيًا نشاط المضغ. وفي النهاية يتخيل نفسه فقط أنه يمضغ.
- الممارسة السلبية: وتقوم على تكرار الفعل غير المرغوب فيه عدة مرات، إلى حد شعور المريض بالتعب والإرهاق، حتى ينتج عن ذلك درجة عالية من القمع أو المنع كرد فعل معاكس.
- التغذية السمعية المتأخرة: أوضح «وينجيت» أن استخدام تأخير التغذية السمعية المرتدة عن طريق جهاز إلكتروني يوضع في الأذن يؤدي إلى تحسين التلعثم، بسبب البطء في الكلام والإطالة في الأصوات المتحركة.
- العلاج بالتظليل: وهو عبارة عن نقل ومحاكاة وتقليد لما يقوله المعالج، حيث يطلب فيه من المتلعثم أن يعيد قراءة ما تم الانتهاء من قراءته له بعد سماعه مباشرة وبفارق زمني يقدر بجزء من الثانية. ويشترط ألا يكون لدى المتلعثم فكرة مسبقة عن مضمون القطعة التي استمع إليها، وتتم القراءة بالسرعة العادية بحيث لا تتعدى كلمة أو كلمتين (على الأكثر) في الثانية.
ويستخدم هذا العلاج بالاستناد إلى الافتراض الذي يؤكد أن عملية الكلام وإخراج الحروف تشتمل على دائرة مغلقة للتغذية الراجعة السمعية التي يراقب فيها المتكلم صوته ويصححه من خلالها، ويحدث التلعثم عادة عندما تتأخر عملية التغذية الراجعة فتحدث تكرارات للأصوات والمقاطع بصورة لا إرادية. وقد استخدم هذا الاسلوب بهدف التدخل في سير عملية التغذية الراجعة، وترتب على ذلك التحسن في عملية التلعثم (العسال،1990م)، (حمودة،1992م)، (مشهور،2001م).